كتاب ذبيحة التسبيح - الفصل الأول
علاقة الله بالإنسان
- في البدء بالفردوس
كانت العلاقة بين االله وآدم مليئة بالدفء والحب والدالة.. والآيـات التالية تدّل على عمق هذه العلاقة القوية: "وبارَكَهُمُ االلهُ وقالَ لهُـمْ: أثمِـروا واكثُـروا وامـلأَُوا الأرضَ، وأخضِعوها... وقالَ االلهُ: إني قد أعطَيتُكُمْ كُلَّ بَقلٍ يُبزِرُ بزرًا علَى وجهِ كُل الأرضِ." (تك29-28:1). "وأخَذَ الرَّبُّ الإلهُ آدَمَ ووَضَعَهُ في جَنَّةِ عَدنٍ ليَعمَلهـا ويَحفَظَهـا" .(15:2تك)
وقالَ الرَّبُّ الإلهُ: "ليس جَيدًا أنْ يكونَ آدَمُ وحدَهُ، فأصنَعَ لهُ مُعينًا نَظيرَهُ" (تك18:2). "وجَبَلَ الرَّبُّ الإلهُ مِنَ الأرضِ كُلَّ حَيَواناتِ البَريَّـةِ وكُـلَّ طُيـورِ السماءِ، فأحضَرَها إلَى آدَمَ ليَرَى ماذا يَدعوها، وكُلُّ ما دَعا بـهِ آدَمُ ذاتَ نَفسٍ حَيَّةٍ فهو اسمُها" (تك19:2). حقًا قيل في إشعياء عن الإنسان: "هذا الشَّعبُ جَبَلتُهُ لنَفسي. يُحَدثُ بتسبيحي" (إش21:43)
- في الســــقوط
- الذبيحة الدموية
- عصر الأباء " ما قبل الناموس "
نوح: "وبَنَى نوحٌ مَذبَحًا للرَّب. وأخَذَ مِنْ كُل البَهائمِ الطّاهِرَةِ ومِـنْ كُـل الطُّيورِ الطّاهِرَةِ وأصعَدَ مُحرَقاتٍ علَى المَذبَحِ، فتَنَسَّمَ الرَّبُّ رائحَةَ الرضا" .(21-20:8تك) .
أبرام: "وظَهَرَ الرَّبُّ لأبرامَ وقالَ: "لنَسلِكَ أُعطـي هـذِهِ الأرضَ" فبَنَى هناكَ مَذبَحًا للرَّب الذي ظَهَرَ لهُ" (تك7:12).
إسحاق: "فبَنَى هناكَ مَذبَحًا ودَعا باسمِ الرَّب" (تك25:26).
يعقوب: "وأقامَ هناكَ مَذبَحًا ودَعاهُ إيلَ إلهَ إسرائيلَ" (تك20:33).
- عصر الناموس
موسي النبي والشريعة
كانت العلّة التي أراد موسى النبي أن يُخرِج بها الشعب من مصر هي الذبيحة.. "الرَّبُّ إلهُ العِبرانيينَ التَقانا، فالآنَ نَمضي سفَرَ ثَلاثَةِ أيّامٍ فـي البَريَّةِ ونَذبَحُ للرَّب إلهِنا" (خر18:3)، وكان خروجهم من مصر مرتبطًا بذبح خروف الفصح.. "مُسّوا العَتَبَةَ العُليا والقائمَتَينِ بالدَّمِ" (خر22:12). كانت كل العلاقة مع االله تدور حول الدم.. إشارة إلى الحاجة إلى سفك دم السيد المسيح، وأيضًا إعلانًا عن غضب السماء بسبب خطية الإنسـان التي تستوجب الموت والدم. ولم يكن هناك مجـال للتسـبيح والتـرنيم.. "فحينَ يَرَى الدَّمَ علَى العَتَبَةِ العُليا والقائمَتَينِ يَعبُرُ الرَّبُّ عن البـابِ ولا يَدَعُ المُهلِكَ يَدخُلُ بُيوتكُمْ ليَضرِبَ" (خر23:12).
أول ترنيمة
كان خروج بني إسرائيل من مصر معجزة غير متوقعة، وما صاحب هذه المعجزة كانت أعاجيب وعظائم تخلب العقل. فالضربات التي أصابت فرعون وشعبه، وضرب الأبكار، وعبـور البحـر الأحمـر، وهـلاك فرعون.. كان شيئًا عظيمًا جداً مما فتح غلفـة لسـان الشـعب فبـدأوا يُسبِّحون: "حينَئذٍ رَنَّمَ موسَى وبَنو إسرائيلَ هذِهِ التَّسبيحَةَ للرَّب وقالوا..." (خر15). وهذه هي التسبحة التي رتبتها كنيستنا بنفس نصها الكتابي في (الهوس الأول)، وهي أيضًا التسبحة التي يتغنى بها السمائيون: "وهُـمْ يُرَتلـونَ ترنيمَةَ موسَى عَبدِ االلهِ، وترنيمَةَ الخَروفِ" (رؤ3:15).
مذبح موسي النبي
- موسي النبي وتنظيم العبادة
عمل موسى خيمة الاجتماع حسب المثال الذي أظهره لـه االله علـى الجبل، وكان كل ما يدور داخل هذه الخيمة مرتبطًا بالذبائح فقـط. وقـد نُظِمت العبادة في عهد موسى؛ فصار هناك أنواع من الـذبائح اليوميـة: (المحرقة، الخطية، الإثم، السلامة)، بالإضافة إلى الـذبائح الموسـمية: (كالفصح، ويوم الكفارة العظيم). وكان تدشين المذبح وتطهيـر الشـعب برش الدم (راجع خر8-5:24)، وكذلك تقديس هارون والكهنة وثيـابهم كان بالدم (خر21:29). وهذا شرحه مُعلِّمنا بولس الرسول في الرسـالة إلى العبرانيين فقال: "لأنَّ موسَى بَعدَما كلَّمَ جميعَ الشَّـعبِ بكُـل وصـيَّةٍ بحَسَبِ النّاموسِ، أخَذَ دَمَ العُجولِ والتُّيوسِ، مع ماءٍ وصـوفًا قِرمِزياً وزوفا، ورَشَّ الكِتابَ نَفسَهُ وجميعَ الشَّعبِ، قائلاً: "هذا هو دَمُ العَهدِ الذي أوصاكُمُ االلهُ بهِ". والمَسكَنَ أيضًا وجميعَ آنيَةِ الخِدمَةِ رَشَّها كذلكَ بالـدَّمِ. وكُلُّ شَيءٍ تقريبًا يتطَهَّرُ حَسَبَ النّاموسِ بالدَّمِ، وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب22-19:9). كان كل شيء في خيمة الاجتماع مرتبطًا بالدم؛ إشارة إلى الحاجة إلى دم السيد المسيح، وإعلانًا عن فظاعة الخطية وكراهية االله لها. فـالموت ورائحة الدم والنار تقابل كل مَنْ يدخل إلى الخيمة للعبادة واللقاء مع االله، ليتذكر دائمًا خطيته ونتائجها المرعبة .
- مذبح البخور
لكن.. إلى جوار الدم والذبيحة كان هناك طفرة جديدة قـدمها االله فـي العلاقة معه.. وهي مذبح البخور: "وتصنَعُ مَذبَحًا لإيقادِ البَخـورِ. مِـنْ خَشَبِ السَّنطِ تصنَعُهُ" (خر1:30). إنه مكان لا تُقدَّم عليه ذبائح دمويـة، ومع ذلك يُسمى "مـذبح". هذا المذبح (مذبح البخور) يسبق فينبيء بنـوع جديد من الذبائح (غير الدموية). فالبخور هو صلوات القديسين، كما جاء في سفر الرؤيا: "وجاءَ مَلاكٌ آخَرُ ووَقَفَ عِندَ المَذبَحِ، ومَعَهُ مِبخَرَةٌ مِـنْ ذَهَبٍ، وأُعطيَ بَخورًا كثيرًا لكَيْ يُقَدمَهُ مع صَلَواتِ القِديسـينَ جمـيعِهِمْ علَى مَذبَحِ الذَّهَبِ الذي أمامَ العَرشِ. فصَعِدَ دُخانُ البَخورِ مـع صَـلَواتِ القِديسينَ مِنْ يَدِ المَلاكِ أمامَ االلهِ" (رؤ4-3:8). فمذبح البخور إذًا كان إشارة مبكرة إلى ذبيحة جديدة تقدمها البشـرية هي: "ذبيحة التسبيح".
تُرى.. متى دخلت ذبيحة التسبيح في العبادة؟...
من كتاب / ذبيحة التسبيح
الأنبا رافائيل
أسقف عام كنائس وسط القاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق